الأمومة ورعاية الأطفال

الرغبة بعد الولادة: لماذا تتغيّر وكيف تستعيدينها؟

امرأة تقف بهدوء قرب النافذة في ضوء الصباح الخافت، تتأمّل جسدها بعد الولادة.

بعد الولادة، تتساءل نساء كثيرات: «لماذا لم أعد أشعر بالرغبة كما من قبل؟». لقد تغيّر الجسد، وتبدّلت الهرمونات، وامتلأ الذهن بمسؤوليات لا تنتهي. لكن الحقيقة البسيطة هي أنّ الرغبة لا تختفي، بل تتبدّل.

من الطبيعي أن تشعري بانخفاض الرغبة بعد الولادة، ولا سيّما في الأشهر الأولى. فالجسد يمرّ بمرحلة إعادة توازن شاملة تشمل الجهاز الهرموني، والمشاعر، والنوم، والطاقة الجسدية والعاطفية. لكنّ هذا التغيّر لا يعني أنّ الرغبة قد انتهت، بل أنّها تحتاج إلى وقتٍ واهتمامٍ لتعود إلى طبيعتها بشكلٍ أعمق وأكثر وعيًا.

الهرمونات بعد الولادة: ميزانٌ يتغيّر بدقّة

بعد الولادة، يبدأ الجسد رحلة معقّدة من إعادة التوازن الهرموني. فكلّ هرمونٍ يلعب دورًا أساسيًا في تنظيم الدورة الشهرية والمزاج والرغبة، يتبدّل بنسبٍ مختلفة، لتعود وظائف الجسد إلى حالتها قبل الحمل تدريجيًا.
Vector (2)

الرغبة بعد الولادة ليست مجرّد مسألة نفسية، بل انعكاسٌ لتغيّرات هرمونية عميقة.

Vector (3)
امرأة تسترخي على أريكة ممسكة بفنجان قهوة، تستمتع بهدوء الصباح في منزلها بعد الولادة.

١. الإستروجين والبروجسترون: بداية الانخفاض

ينخفض مستوى الإستروجين والبروجسترون انخفاضًا حادًّا بعد الولادة مباشرة، بعد أن كانا في أعلى مستوياتهما طوال فترة الحمل. هذان الهرمونان مسؤولان عن نعومة الجلد، وترطيب المهبل، والراحة المزاجية، وتنظيم الدورة الشهرية.

عندما يهبطان فجأة:

  • يصبح المهبل أكثر جفافًا، ما يجعل العلاقة الحميمة مؤلمة أحيانًا.
  • تتغيّر درجة الإحساس في الأعضاء التناسلية.
  • تظهر تقلبات في المزاج تشبه أعراض ما قبل الدورة الشهرية.
  • وقد تقلّ الرغبة الجنسية بسبب الإرهاق والخلل في التوازن الكيميائي العصبي.
امرأة ترتدي رداءً حريريًّا تقف قرب النافذة في ضوء الشمس، تستعيد ثقتها وجمالها بعد الولادة.
Vector (2)

انخفاض الإستروجين لا يعني انتهاء المتعة، بل يحتاج الجسم إلى وقتٍ ليستعيد مرونته واستجابته.

Vector (3)

٢. البرولاكتين: هرمون الحليب والحنان

بعد الولادة، يرتفع البرولاكتين — وهو الهرمون المسؤول عن إنتاج الحليب — ليؤمّن الرضاعة الطبيعية.

ويؤثّر هذا الارتفاع في جسدك وعاطفتك بطرق متناقضة:

من جهة، يساعد البرولاكتين على:

  • تهدئة الجهاز العصبي
  • تعزيز الشعور بالأمان والطمأنينة
  • تقوية الرابط بين الأم ورضيعها
لكن من جهة أخرى:
  • يُضعف الرغبة الجنسية لأنه يثبّط إفرازالإستروجين والتستوستيرون.
  • يُقلّل من الترطيب المهبلي.
  • يُخفّف من حساسية البظر والاستجابة للإثارة.
لذلك، من الطبيعي أن تمرّ مرحلة الرضاعة بانخفاض في الرغبة أو حتى غياب مؤقّت لها. ومع انخفاض البرولاكتين تدريجيًا بعد فطام الطفل، تعود الرغبة لتظهر مجددًا.
Vector (2)

ارتفاع البرولاكتين يجعل جسدك مهيّأً للرعاية والاحتضان أكثر من الاستثارة، وهو أمر طبيعي ومؤقّت.

Vector (3)
أمّ ترضع طفلها حديث الولادة في منزلها، جالسة قرب النافذة في ضوء طبيعيّ هادئ.

٣. الأوكسيتوسين: الحبّ الذي يتبدّل وجهه

الأوكسيتوسين هو ما يُسمّى بـ«هرمون الحبّ»، إذ يُفرز عند الولادة والرضاعة، وأثناء اللمس والعناق والعلاقة الحميمة. وظيفته الطبيعية أن يزيد من الإحساس بالدفء العاطفي والانتماء والثقة.

لكن بعد الولادة، يتّخذ الأوكسيتوسين وجهًا جديدًا:

  • يُفرز بغزارة أثناء الرضاعة، مما يوجّه طاقته نحو الطفل أكثر من الشريك.
  • يقلّ تحفيزه في السياق الحميمي لأنّ الجسد ينشغل بالرعاية والاحتضان.
  • وقد يؤدّي إلى تغيّرٍ في الإحساس الجنسي، إذ تصبح الأم أكثر عاطفة واحتواءً وأقل تركيزًا على اللذة الجسدية.
لقطة مقرّبة ليدَي أمّ تحتضنان رأس طفلها حديث الولادة، في مشهدٍ يعبّر عن الحنان والرعاية.
Vector (2)

جسدك لا يرفض المتعة، بل يعيد توجيهها نحو مشاعر الأمان والرعاية مؤقتًا.

Vector (3)

٤. التستوستيرون: الشرارة الخفيّة للرغبة

كثيرات يعتقدن أن التستوستيرون هرمون ذكري، لكنه في الواقع أساسيّ لدى النساء أيضًا، إذ يُنتج في المبيضين والغدة الكظرية، ويُعتبر المسؤول الأول عن الحيوية والرغبة والثقة بالنفس. بعد الولادة، خصوصًا في حال الرضاعة الطبيعية أو الإرهاق الشديد، ينخفض مستواه بنسبة قد تصل إلى ٣٠–٥٠%.

هذا الانخفاض يؤدي إلى:

  • فتورٍ في الرغبة والمبادرة الجنسية
  • تراجعٍ في الطاقة البدنية
  • نقصٍ في المزاج الإيجابي والتحفيز

يمكن مساعدة الجسد على استعادة التستوستيرون الطبيعي من خلال:

  • النوم الكافي
  • ممارسة الرياضة بانتظام
  • التغذية الغنية بالدهون الصحية والبروتينات
  • تجنّب الضغط النفسيّ المفرط
  • علاج فقر الدم ونقص الحديد إن وُجد
Vector (2)

التستوستيرون هو الشرارة الخفيّة للرغبة لدى المرأة، وليس هرمونًا رجاليًّا فحسب.

Vector (3)
امرأة تقف بهدوء قرب النافذة في ضوء الصباح الخافت، تتأمّل جسدها بعد الولادة.

الحمل العاطفي والتعب الذهني

إنّ الرغبة ليست نتاج الهرمونات وحدها، بل تتأثّر أيضًا بالحالة النفسية. فبعد الولادة، تجد الأم نفسها في دوّامة من المهامّ المتواصلة، والنوم المتقطّع، والمشاعر المختلطة بين الفرح والإرهاق والخوف.

حين يشعر العقل بالضغط المستمر، يعمد الجسد إلى حماية نفسه بخفض الهرمونات الجنسية وزيادة هرمونات التوتّر، فيختفي الإحساس بالرغبة مؤقّتًا. ولذلك، لا يمكن للرغبة أن تزدهر إلا حين تجدين في يومك فسحةً صغيرة للهدوء والراحة.

استمعي للمزيد في بودكاست مش عيب

هل فقدتِ الرغبة بعد الولادة؟ أحيانًا لا يكون السبب جسديًّا، بل ذهنيًّا وعاطفيًّا. استمعي إلى الحلقة الخامسة من بودكاست مش عيب، لتتعرّفي إلى العلاقة بين الدماغ والرغبة، وكيف يمكن استعادتها بخطوات بسيطة ومن دون خجل. لأنّ الرغبة ليست رفاهية، بل لغة جسدك الأولى.

شاهدي الحلقة هنا:

العوامل الجسدية التي تؤثّر في الرغبة

بعد الولادة، قد تواجهين عدّة عوامل جسدية تُضعف الاستجابة الجنسية:

الجفاف المهبلي نتيجة انخفاض الإستروجين.
الألم أثناء العلاقة بسبب الندبات أو التمزّقات أو التشنّج العضلي.

ضعف أو شدّ عضلات الحوض مما يقلّل الإحساس بالمتعة.

الإرهاق وقِلّة النوم اللذان يخفضان التحفيز العصبي.

تغيّر صورة الجسد وما يرافقه من شعورٍ بفقدان الجاذبية.

ابدئي بمعالجة هذه الجوانب تدريجيًّا: استخدمي مزلقات ومرطّبات مهبلية لطيفة، وجرّبي تمارين التنفّس والاسترخاء، واستشيري معالجة متخصّصة بعضلات الحوض إن لزم الأمر. فحين يشعر الجسد بالراحة، تعود الرغبة لتنبض من جديد.

امرأة تجلس متصالبة الساقين على سريرها، تعانق وسادة وتبتسم بهدوء في لحظة صباحيّة مريحة.
Vector (2)

عندما يزول الألم، يتذكّر الجسد طريقه إلى اللذّة.

Vector (3)

استمعي للمزيد في بودكاست مش عيب

بعد الولادة، يتغيّر الجسد وتتبدّل العلاقة مع الذات. وقد تشعرين بأنّك غريبة عن نفسك وعن رغبتك.

استمعي إلى الحلقة التاسعة من بودكاست مش عيب حيث نتحدّث فيها عن التغيّرات الجسدية والنفسية، وعن كيفية استعادة الثقة بالجسد والحميمية تدريجيًّا. لأنّ المتعة ليست نقيض الأمومة، بل امتدادٌ طبيعيّ لها.

شاهدي الحلقة هنا:

خطوات لاستعادة الرغبة بلطف

  • أعيدي التواصل مع جسدك: ابدئي بممارسات بسيطة: تنفّسٍ عميق، أو تدليكٍ ذاتي، أو لحظاتٍ قصيرة من الهدوء كلّ يوم.
  • أعيدي تعريف الحميميّة: الحميمية لا تعني الإيلاج فقط، بل القرب، والضحك، والاحتضان، والنظرات الصادقة.
  • تواصلي بصراحة مع الشريك: التعبير عن المشاعر والمخاوف يخفّف الضغط، ويخلق بيئة آمنة لعودة الرغبة.
  • امنحي نفسك الراحة: النوم والدعم النفسي ليسا رفاهية، بل شرطٌ أساسيّ لاستعادة الطاقة الجنسية.
Vector (3)

إذا شعرتِ أنّك لم تعودي كما كنتِ قبل الولادة، في جسدك أو رغبتك أو نظرتك إلى نفسك، فبرنامج حياتك الجنسية بعد الولادة من متلي متلك أُعدَّ من أجلك. هذا البرنامج هو دورة آمنة ومتكاملة تشمل:

  • دروسًا مسجّلة عن التغيّرات الهرمونية والجسدية.
  • تمارين عملية لاستعادة الثقة والمتعة.
  • دعمًا من مختصّات في الطبّ الجنسي والعلاج النفسي.

لأنّ الرغبة لا تختفي، بل تحتاج فقط أن تُصغي إليها من جديد.

Vector (2)

متى يجب استشارة الاختصاصيّ؟

راجعي طبيبًا أو معالجة متخصّصة في الطبّ الجنسي أو العلاج النفسي إذا:

  • مضت ستة إلى تسعة أشهر دون تحسّن.
  • كنتِ تعانين من ألمٍ أو جفافٍ مزمن.
  • أحسستِ بانفصالٍ عاطفيٍّ مستمر عن الشريك.
  • أو اشتبهتِ بوجود خللٍ هرمونيّ كارتفاع البرولاكتين أو انخفاض التستوستيرون.

العلاج متاح وفعّال، وغالبًا يجمع بين الدعم النفسيّ، والعلاج الجسديّ، والتقييم الهرمونيّ.

Vector (3)

أسئلة شائعة حول مرحلة ما بعد الولادة

١. هل انخفاض الرغبة بعد الولادة أمرٌ طبيعي؟

نعم، وهو شائع جدًا خلال الأشهر الأولى بسبب التغيّرات الهرمونية وارتفاع البرولاكتين والتعب النفسي. وغالبًا ما يتحسّن تدريجيًا مع الوقت.

2. هل الرضاعة تؤثّر في الرغبة؟

نعم، لأنّ ارتفاع البرولاكتين أثناء الرضاعة يقلّل إفراز الإستروجين والتستوستيرون، مما يسبّب جفافًا مهبليًا مؤقّتًا وضعفًا في الرغبة.

3. كيف أعرف إذا كانت المشكلة هرمونية؟

إذا ترافق ضعف الرغبة مع نشاف مهبلي وتعبٍ مزمنٍ أو فتورٍ أو تغيّرٍ في المزاج، يُستحسن فحص مستويات التستوستيرون، والبرولاكتين، والإستروجين.

4. هل يمكن استخدام التستوستيرون لتحسين الرغبة؟

لا، فالعلاج بالتستوستيرون غير مُوصى به في فترة ما بعد الولادة، خصوصًا خلال الرضاعة الطبيعية، لأنّه قد يؤثّر في التوازن الهرموني وإنتاج الحليب. يمكن تحسين الرغبة من خلال الراحة، والتغذية المتوازنة، وتمارين الاسترخاء، والعلاج الطبيعيّ لعضلات الحوض، إضافةً إلى الدعم النفسيّ والحميميّ مع الشريك عند الحاجة.

5. هل تعود الرغبة كما كانت؟

نعم، ومع الوقت والراحة والعناية الذاتية، تعود الرغبة تدريجيًّا، وأحيانًا تصبح أعمق وأكثر وعيًا من ذي قبل.
Vector (2)

الرغبة تزدهر حين تتوقّفين عن إجبارها

الرغبة بعد الولادة ليست اختبارًا لأنوثتك، بل طريقُ عودةٍ إلى ذاتك. جسدك لا يخذلك، إنّما يطلب منك وقتًا وحنانًا لتعيدي اكتشافه بثقةٍ وسلام. في متلي متلك، نحن هنا لنرافقكِ عبر برامج قائمة على الأدلة العلمية، ومجتمع داعم، وحوارات مفتوحة بلا تابوهات.

✨ اكتشفي جميع برامجنا | 🎧 استمعي إلى بودكاستنا | 📩 اشتركي في نشرتنا المجانية

هل وجدت هذا مفيدًا؟ شاركي المنشور!​

المزيد من

الأمومة ورعاية الأطفال

×
Check Programs

ادخلي عنوان بريدك الإلكتروني